لماذا تتلاءم فتاوى بعض العلماء دائما مع ما تريده أمريكا و إسرائيل؟
أين علماؤنا من قوله تعالى:
" أرأيت من اتخذ إلهه هواه و أضله الله على علم" ؟!
هل ينطبق على علمائنا تحذير الرسول صلى الله عليه و سلم من عالم ذلق اللسان جاهل القلب؟
هل نحن ضحية علماء بين الترغيب و الترهيب؟
في تاريخنا العربي و الإسلامي فـترة يسميها المؤرخون (عصور الانحطاط) و هي العصور التي تمكنت فيها أمتـنا من صد الهجوم المغولي و الغزو الصليبي و اسـتعادت القدس من أيديهم. وكما يقول الدكتور نعيم الحمصي: (إذا كانت تلك عصور انحطاط فماذا نسمي عصرنا هذا)؟
و لست في معرض مناقشة التسمية ؛ فالأمر واضح لكل ذي عقل. ولكنني أريد أن أستعيد مع القارئ بعض علماء تلك الفترة و دورهم في توجيه الشعوب و قول كلمة الحق دون خوف من جور السلطان أو تسلطه.
و لي أن أقدم للموضوع بتساؤل هو: ما هي أقصى أمنيات من يعرف ما أعد الله في الآخرة لعباده من ثواب؟
و الجواب سيكون أقصى أمنية هي الشهادة في سبيل الله. و من هنا يتولد سؤال جديد هو : أين علماؤنا من هذه الفكرة؟
و من هذا المدخل يمكن أن نتعرف على الفكر الذي فاضت بعبقه تلك النماذج المتشـبعة باليقـين بوعد الله فتعاملت مع الحياة بنظرة تجريدية تركز نظرها دائما على الهدف الذي تسعى إليه معرضة عن عوائق الترغيب و الترهيب فلا تلتفت وهي تسير على الصراط و كأنها تتوجه إلى الله سبحانه بقول الشاعر:
إذا صـح مـنـك الـودُّ فـالـكـل هـيـِّنٌ وكــلُّ الــذي فـــوقَ التـُّرابِ تـرابُ
و نأخذ اثنين من العلماء نموذجا لهذا التوجه الناضح بالإيمان المشبع باليقين هما العـزُّ بن عبد السلام و أحمد بن تيمية.
العز بن عبد السلام
عاش عز الدين في دمشق في فترة الفتن و تمزق جسد الأمة دويلات و محاصرتها من قبل أعدائها (كما يحصل في عصرنا اليوم) ، و سيطرة الهوى على الحكام ، لكن ذلك لم يدفعه إلى المحاباة و بيع دينه و غض النظر عمّا يجري حوله مستنبطا الفتاوى التي يلوي لها أعناق النصوص الشرعية كما يفعل كثيرون من علماء السلطات في عصرنا ليجد لنفسه مبررات الركوع لغـير الله.
و لنأخذ من سيرته ثلاثة مواقف نتبـين منها ملامح تلك الشخصية الفذة العظيمة.
خلـع السـلطان:
قرر سلطان دمشق السير بجيشه لمحاربة أخيه المسلم سلطان مصر مستعينا بالصليبيين الكفرة. هكذا قرر، وما علينا إلا السمع و الطاعة لقوله تعالى (وأطيعوا...........و أولي الأمر منكم). هكذا يقرأ الآية كثير من العلماء فيختصرونها لفظيا و يحصرونها بأولي الأمر عمليا. لكن العز يقف موقف العز فيقف على المنبر و يخلع السلطان لأنه استعان بكافر على مسلم. و يسجن عز الدين فيأبى إلا عـزة الدين، و يحتمل في سبيل الله و هو ينظر إلى الغاية الأسمى. ( هذه رسالة إلى العلماء الذين يحنون هاماتهم لحكام يضعون أيديهم في أيدي اليهود و قـتلة المسلمين).
بـيـع الحـكام في سـوق النـخاسـة
ثم ينتقل العز إلى مصر، و هناك يصطدم مع المماليك حكام مصر الذين توصلوا إلى الحكم دون أن يتحرروا من الرق، فأصدر بحقهم فتوى هي أنهم لا يحل لهم أن يتولوا حكم رقاب العباد الأحرار وهم أرقاء فالواجب أن يشتروا أنفسهم ليصبحوا أحرارا وبعدها يحل لهم الحكم. (أي جرأة هذه و أية فتوى؟) فتزلزل عرش الحكام المماليك للفتوى، وقابلوها بالخوف، فسألوا: ومن سـيـبـيعنا؟ فقال العز: أنا. فقالوا: ومن يقبض الثمن؟ فقال أنا أقبضه. فقالوا: و ماذا تفعل به؟ فقال: أنفقه في وجوه الخير. و حدد لهم موعدا لينزلوا إلى السوق و يفتح عليهم مزادا علنيا (مزاد علني على ملوك و أمراء) و هددهم إذا تخلف أحدهم فإنه سيخلعه من إمارته. لكن أحد شجعانهم ينتفض و يقول: أنا أكفيكم هذا الرجل. و فعلا يذهب إلى بيت العز و يطرق الباب فيفتح له ولد العز، و حين يراه ولد العز و قد جرد سيفه، يعود إلى أبيه خائفا و يقول: لا تخرج إليه يا أبت فإنه قاتلك. فيدفعه العز بيده و يقول: يا بني إن أباك أقل من أن يقتل في سبيل الله. و يخرج إلى الفارس الذي ما إن رآه حتى ألقى سيفه من يده و قال: بماذا تأمرني يا سيدي؟! فيجيب العز: تعد نفسك لأبيعك غدا في السوق. و في اليوم التالي نزل الملوك إلى السوق ففتح العز باب المزايدة عليهم ، و غالى في أثمانهم و اشتروا أنفسهم بحـرِّ مالهم، و قبضها منهم و أنفقها في سبيل الله.
لقد كانت الشهادة في سبيل الله هدفا لهذا الرجل يراه أجل من أن يناله (هذه رسالة إلى العلماء الذين تدق الشهادة في سبيل الله أبوابهم كل يوم فيهربون منها عبر النافذة الضيقة (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) ؛ فهذا عالم يحتج كثيرون باعترافه بأنه أودع أمواله في بنك ربوي، و هذا عالم يقرر أن العمليات الاستشهادية في فلسطين انتحار يحرم على المسلمين و يجب إيقافها، و هذا عالم يقرر أن مجاهدة الصليبيين في العراق غير شرعية و يجب أن تتوقف. (هذه الفتاوى في صالح من)؟ أليست في صالح أعداء الإسلام؟
ترهيـب السـلطان
و الموقف الثالث حين اطلع العز على السلطان في يوم عيد و هو في أبهة الملك و من حوله الحاشية و الجند فناداه باسمه مجردا من ألقاب الملك و السلطنة: يا فلان أما تخاف الله تجلس للحكم و في بلدك تباع الخمور؟ فقال السلطان مستغربا: يا سيدي هذا كان من زمن أبي. فأجاب العز : لعلك من الذين يقولون إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ ). فأرسل السلطان من فوره من يهدم الخمارة. و حين سئل العز : ألم ترهب السلطان في ذلك الموقف؟ قال: أول ما اطلعت عليه هبته ، لكنني اسـتحضرت هيـبة الله سبحانه فصار السلطان أمامي كالقط. و قد صدق العز رحمه الله فمن خاف الله خافه كل شيء ، و من لم يخف الله خاف من كل شيء.
هذه مواقف لها أشباهها في حياة هذا العالم الرباني الذي سعى جاهدا لإعزاز دين الله فأعزه الله و حماه.
كلمة حق بين يدي سـلطان ظالم