الغذاء جزء من الدواء ، لذا نجد الأطباء يعنون بتوجيه المريض إلى ما يناسبه من الغذاء أو ما يساعده على استعادة صحته. و كثيرا ما يرد في وصفاتهم لحم الدجاج . و ربما قالوا للمريض : (تناول صدر الدجاج فقط) . أما الأطباء القدامى فقد تفننوا في ذكر فوائد الدجاج و مناقب لحمه من رأسه حتى ساقيه . فما ينفع للكلى و ما ينفع للسعال و ما يقوي القلب ، حتى المرق الذي يطبخ فيه أطنبوا في وصف فوائده.
حـقـيـقـة الـوصـفـة
و عندما وقف أبو العلاء المعري على غزارة هذه الوصفات في لحم الدجاج أطلق عبارة تـنـم عن بعد فلسفي عميق يعكس في مرآته صورة لحقيقة من جوهر الحياة إذ قال يخاطب الدجاج : ( استضعفوك فوصفوك). و هذه حقيقة ربما أغفلها الآخرون ، لكنهم يعيشونها على كل المستويات.
النـظريـة الـدجـاجـيـة
على ضوء عبارة المعري مخاطبا الدجاج (استضعفوك فوصفوك) أتساءل :هل سمعتم طبيبا يصف لمريض لحم أسد أو نمر أو ذئب أو حتى صقر أو بازي؟ يقولون إن لحمها مر. و كيف عرفوا أن لحمها مـُـرٌّ دون أن يذوقوها؟
حقا إن لحمها مر ، أقولها أنا أيضا دون أن أذوق لحمها ، و دون أن أحتاج لمن يخبرني بذلك. و لا شك أنكم مثلي تقولونها دون أن تذوقوها. و قد درج المثل (ما كل الطير يؤكل لحمه) كناية عن قوة الشكيمة و منعة الغريم. و مثله قول من يعتز بقوته و قدرته على صد الخصم : (أنا لحمي مر) و بالطبع أنتم تدركون كما أدرك أنه لا يعني مرارة المذاق و إنما مرارة المعاناة في الوصول إلى أكل هذا اللحم ، فهو من صنف الأسد و الصقر و إن لم يكن من نوعها.
و هكذا أكون قد اكتشفت النظرية الدجاجية التي وضع المعري أسـسها ، و سـأقوم بتقديم البرهان على صحتها في الأسطر التالية.
تأثير النظرية على العرب
لماذا أطلق العرب على الأسد مائة اسم في حين لم يطلقوا على الدجاج سوى اسم واحد. (و للعلم فإن كلمة فراخ تعني صغار الطير من الدجاج و غيره). فالأسد إذا مشى متبخترا فهو أبو الحارث ، وإذا زأر فهو غضنفر ، و إذا وقف أمام عرينه منتصبا فهو ليث ، و إذا هجم فهو قسورة. و ما إلى ذلك. أما الدجاج فهو إذا سار فهو دجاج و إذا طار فهو دجاج ، و إذا هاجم خصما و قاتل ببسالة فهو دجاج .. دجاج !!
أليس ذلك برهانا على صحة النظرية؟ والتي مضمونهااستضعفوك فوصفوك).
تأثير النظرية على غير العرب
لماذا تـمَّ تقييم النفط العربي على أنه أفضل أنواع النفط ؟ و أن استخدامه في السيارات الأمريكية يزيد في صحة المحرك و يطيل عمره.
و لماذا كان تقييم الأرض العربية ذات الصحاري الشاسعة على أنها أخصب الأراضي في العالم تفوق بخصوبتها كل البقاع الساحرة في أوربا و أمريكا بشلالاتها و أنهارها المتدفقة و مروجها الخضراء وغاباتها الخيالية؟ و أنها تشكل أفضل موقع استراتيجي في العالم؟
و أن الشمس في البلاد العربية تشفي من الروماتيزم و الزهايمر و ربما الإيدز؟
و أن قتل العرب هو أفضل و أعلى مستويات الاختبار للجندي المتأمرك ، إذا اجتازه فإنه يستحق الجنسية الأمريكية ؟
أليس ذلك دليلا قاطعا و برهانا ساطعا على صحة النظرية الدجاجية؟ والتي مضمونها : (استضعفوك فوصفوك).
تأثير النظرية على المسلمين
لماذا انطلقت النظرة التكفيرية لدى بعض المسلمين إلى إخوانهم الذين يدينون بدينهم ؛ حيث راحوا يـُكـَـفـِّرون أشخاصا مسلمين بعينهم و جماعات مسلمة أو إسلامية برمَّتها ، و يهاجمونهم في المحافل و على الصحف و القنوات الفضائية و المواقع العنكبوتية؟
بمعنى آخر؛ الذين كـَـفـَّروا صدام حسين و هو يشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله هل يجرؤون على تكفير جورج بوش الذي يدَّعي أن المسيح ابن الله ، و ينكر رسالة سيدنا و نبينا محمد صلى الله عليه و سلم ؟
و الذين يـُكـَفـِّرون الاستشهاديين و المجاهدين في فلسطين و غيرها ، و يباركون قتلتهم من اليهود و الصليبين هل يجرؤون على مثل ذلك في حق القتلة الكفرة؟ و على ضوء قول الله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ }البينة6 هل يستطيع أحد من هؤلاء الذين يكفرون المسلمين أن يصرح بمضمون الآية فيقول : بوش و كل أمثاله (الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ) جميعهم (فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا) كما قال عن الاستشهاديين أنهم جميعا في النار ، و أنهم (شَرُّ الْبَرِيَّةِ ) أي شـر خلق الله من الناس و الحيوانات ؟
طبعا لا يستطيعون ، و هذا دليل آخر على صحة النظرية الدجاجية ، والتي مضمونها : (استضعفوك فوصفوك).
على بساط البحث
هذه هي النظرية الدجاجية التي وضع المعري أسسها ، و قمت أنا العبد الفقير ببرهنتها بثلاث طرق. و أترك المجال مفتوحا للإخوة الأقلاميين و الضيوف الكرام للمشاركة في الرأي وتوكيد البرهان أو نقضه مع يقيني أن أحدا لن ينقضه حتى لو كان لا يفهم في الرياضيات ولا المنطق.