الشاعر
عدد الرسائل : 144 العمر : 58 الرسالة :
تاريخ التسجيل : 27/11/2008
| موضوع: قراءة في قصيدة الثلج وعيناها للشاعر محمد خير طالب الأحد يوليو 05, 2009 12:34 am | |
| الثلج .. وعيناها ... بقلم : محمد خير طالب
قرب عينيك يهطل الثلج بالدفء يفيض الوادي ويأتي الربيع
والفراش الجميل يأخذ شكلا زاهيـا والضحى الوليد بديع
كل شـيء أراه يصبح أحلى والعصافير في الحقول جموع
وعيوني إلـى البعيد تراءت في مســـاحات بينهن أضيع
كل ما حولي في الطبيعة فيهـا فالأزاهير في رباها تضوع
وحقول من نرجس طالما حدثته عمـا خبأته الضلوع
وسـواق قطعتها حافيا أعيا فضولي لكشـفها الينبوع
كل ما في طفولتي صار ذكرى وأحاديث ما لهن رجوع
تئد العين دمعهـــا حين أصحو فتفر الذكرى وتنأى الدموع
مـا تبقى إلا عيونك حولي هن عشب الربا وهن الربيع
بسم الله الرحمن الرحيم
العيون سر من أسرار الخلق ليس بعملية الرؤية فحسب وإنما بما تحويه من أسرار وكأنها شاشة تظهر عليها مشاعر صاحبها. فتقرأ فيهما خوف الخائف وصدق الصدق وحيرة الضائع. تقرأ لحب ولكره ، والإيجاب والرفض. وكثيرا ما وقف الشعراء عند العيون وتحادث عبرهما المحبون. والشاعر محمد خير طالب يقف أمام عيني حبيبته فيرى فيهما عالما آخر يختلف عن واقع المتناقضات: (قرب عينيك يهطل الثلج بالدف ء يفيض الوادي ويأتي الربيع) فنزول الثلج يعني البرد بالتأكيد لكن الشاعر أراد بالثلج هنا البياض رمز النقاء والطهر والجمال، لذا أضاف الشاعر كلمة (بالدفء) ليؤكد ذلك لأن الدفء هنا استشعار أثر ذلك المنظر في القلب من مشاعر تتأجج بين الأضلاع لرؤية الجمال النقي. ويتلاشى من الحياة الجفاف فيتدفق الوادي بالماء رمز الحياة ويتحول العالم إلى ربيع لم يكن موجودا لكنه يأتي لأنه رفيق عينيها، هما عينان تغيران كل شيء في طبيعة الحياة. (والفراش الجميل يأخذ شكلا زاهيـا والضحى الوليد بديع) (كل شـيء أراه يصبح أحلى والعصافير في الحقول جموع) لوحة الجمال تنعكس من عينيها فتغطيان مساحات العالم . هذا الأثر النفسي الذي تتركه عيناها فيما حولها يجعل الشاعر ينطلق مهوما في عوالم لا متناهية من الجمال حتى يتيه في جنباتها (وعيوني إلـى البعيد تراءت في مســـاحات بينهن أضيع) فهي أزاهير وحقول نرجس وسواق تجري فيها الأنهار تمتزج بذكريات طفولة عاشها الشاعر وتعلق قلبه بمظاهر جمالها حيث يحمله الحلم المتفجر في عينيها مبتدئا بالنقاء المتمثل بالثلج والدفء إلى النقاء المتجسد في الطفولة وبراءتها وانطلاقتها ودهشتها أمام الطبيعة ببساطة أسرارها التي أخذت حيزا ثابتا من ذكرياته تطوف بذهنه وتستعيده من واقع حلمه كلما مر بعالم مماثل في الجمال والنقاء: (كل ما حولي في الطبيعة فيهـا فالأزاهير في رباها تضوع وحقول من نرجس طالما حدثــــــته عمـا خبأته الضلوع وسـواق قطعتها حافيا أعيا فضولي لكشـفها الينبوع(. ولكن الحلم يتلاشى فجأة عندما تهزه يد الواقع المناقض لما كان فيه ليواجه الحقيقة فتنزل من عينه دمعة يحاول منعها لكنه يعجز عن ذلك حين تفر منه الذكريات الجميلة وتتوالى الدموع متساقطة من عينيه (تئد العين دمعهـــا حين أصحو فتفر الذكرى وتنأى الدموع) لكن تبقى عيون المحبوبة أمامه ينظر فيهما ويعيش نعيمه الخاص في عالمه المتفرد: (مـا تبقى إلا عيونك حولي هن عشب الربا وهن الربيع). إنها قصيدة وجدانية ذاتية تجمع بين مشاعر متأججة وأحلام جامحة وذكريات حميمة استطاع الشاعر من خلال كلماته أن يؤلف بينها في تناسق بديع من خلال قالب شعري نابض بالحياة هو بحر الرمل الذي يعطي في تفعيلته الغنية بالمدود (فا) (علا) مجالا تعبيريا يشبه تنهيدة أو آهة عبر ألفاظ زاخرة بالمدود والتي استقاها من الطبيعة الخلابة (الوادي – الأزاهير – الفراش – العصافير – رباها – مساحات) فقد يلاحظ القارئ معي أن كل لفظة منها تحتوي على مدين باستثناء كلمة (الفراش). ولعلي أجد ارتباطا بين حرف الروي (العين) وبين القصيدة التي تتحدث عن العيون. كما تكرر حرف الفاء (الدفء – الفراش – العصافير – فيها – فالأزاهير – حافيا – فضولي – لكشفها – طفولتي – فتـفر ) وهو حرف شفوي فخم لا يحتاج نطقه إلى جهد فهو يتناسب مع أسلوب البوح الهامس وهدوء الحلم. ولعله يعني شيئا بالنسبة للشاعر أو يرتبط باسم الحبيبة أو شيء يلح على ذهنه. وقد انصب تركيز الشاعر على المشاعر الجياشة التي تفيض بين حناياه لكنه لم يهمل جانب التصوير الفني في أسلوبه التعبيري من استعارة كقوله (يأتي الربيع) و (الضحى الوليد) و(نرجس طالما حدثته) و (تفر الذكرى) ومن كناية كقوله: (قرب عينيك ينزل الثلج) و (مساحات بينهن أضيع). الأبيات جميلة تحمل بوحا صادقا ، والشاعر متمكن من أدواته التعبيرية استطاع من خلالها وصف مشاعره عندما ينظر في عيني حبيبته بأسلوب غير مباشر من خلال إسقاط جمال الطبيعة على رؤيته وتهويماته الإبداعية. كما أن أسلوب التصوير الحي في مثل قوله (أصحو فتفر الذكرى) واستخدام لفظة (تفر) الموحية والمحاكية لمعناها تجعل السامع يستشعر لهفة الشاعر والحالة التي يعايشها وهو يحاول التمسك بالذكرى لكنها تأبى وتتخلص من يديه كمن يمسك عصفورا فيفلت من بين يديه. مما جعل أعطى النص حركية تجعله نابضا بالحياة كلوحة الطبيعة التي قدمها حيث الفراشات تحوم والعصافير جماعات والسواقي تتدفق بالماء.
لفتت انتباهي لفظة (تراءت) في قوله: (وعيوني إلـى البعيد تراءت في مســـاحات بينهن أضيع) حيث استخدمها بمعنى (استكشفت) أو (أشرفت) أو (امتد نظرها) وكلها معان لا تؤديها كلمة (تراءت) التي تعني (بدت من بعيد) أو (لاحت). حيث لا يمكن استخدامها في هذا المعنى لأن السياق يدل على أنه هو الذي ينظر إلى عوالم الثلج والربيع في عيني الحبيبة بواسطة عينيه فكيف تلوح له عيناه؟ آمل من الشاعر أن يتقبل اعتراضي كما قبل تعليقي وأن يسجل إعجابي بما كتب. | |
|